قصة الشاب بدر ليست مجرد حكاية مأساوية تروى على مواقع التواصل الاجتماعي، بل مرآة صادمة تعكس تحولات المجتمع المغربي في علاقته بالمال قصة تختزل وجع الانحدار القيمي الذي قد يصيب الأفراد حين يختلط الحب بالمصلحة، والنية الحسنة بالاحتيال العاطفي.
بدر، الذي ولد وفي فمه “ملعقة من ذهب”، كان مثالا للنجاح والاستقرار بالعمل كمفتشا في شركة الخطوط الملكية المغربية، يتقاضى أجرا مريحا، وورث عن أسرته أملاكا وعقارات وشققا ومبالغ مالية مهمة لم يكن يدرك أن كل هذا الثراء سيصبح لعنة تغري من حوله وتفتح أبواب الجشع والطمع على مصراعيها.
بعد فشل زواجه الأول بطريقة ودية، دخل بدر تجربة زواج ثانية كان يعتقد أنها بداية حياة أكثر توازنا، لكنها كانت بداية الانهيار فزوجته الثانية حسب روايات متداولة أظهرت براعة في التخطيط للسيطرة على ممتلكاته شيئا فشيئا، فقد بدر عمله، وأمواله، وحتى كرامته، ليجد نفسه متشردا في الشارع .
هذه القصة المؤلمة تطرح أسئلة عميقة حول طبيعة الثقة بين الأزواج في المجتمع المغربي المعاصر، وحول القيم التي تحكم العلاقات العاطفية في زمن أصبحت فيه الماديات تطغى على المشاعر.
فهل أصبح الزواج في بعض الحالات مشروعا اقتصادياً مقنعا؟
وهل غابت القيم التي تجعل من الزواج ميثاقا إنسانيا قبل أن يكون عقدا قانونيا؟
من زاوية سوسيولوجية، يرى عدد من الباحثين أن هذه القصة تكشف أزمة القيم في العلاقات الاجتماعية، حيث تستبدل الثقة بالحذر والصدق بالمصلحة. في مجتمعات التحول السريع التي يختلط فيها التقليدي بالحديث، كثيرا ما تفقد العلاقات عمقها الأخلاقي وتتحول إلى تعاملات مشروطة بالمكسب والخسارة
أما من الناحية النفسية، فحالة بدر تعبر عن السقوط الحر لشخص لم يتوقع الغدر من أقرب الناس إليه حين تنهار الثقة، ينهار معها الإحساس بالأمان، ويتحول الإنسان إلى كائن هش، يواجه فراغا وجوديا مدمرا وهذا ما يفسر الضغوط النفسية التي مر بها بدر حتى كاد يفكر في إنهاء حياته لولا تدخل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين أعادوا إليه بعض الأمل.
القضية لا تخص بدر وحده، بل تهم كل من يعتقد أن النية الحسنة تكفي في التعاملات الزوجية أو الإنسانية فالمجتمع، للأسف، بات يشهد تحولا في منظومة القيم، حيث يقاس الحب بكمية الهدايا، ويختزل الوفاء في الرصيد البنكي.
ورغم قسوة ما عاشه، فإن قصة بدر تحمل جانبا مضيئا في نهايتها: التضامن الشعبي والإنساني الذي أبداه المغاربة، خصوصا بعد ظهور طليقته الأولى التي وعدت بمساعدته واستعادته للحياة الكريمة وإنها لحظة تذكرنا بأن الخير لا يزال ممكنا، وأن القيم الأصيلة لم تمت بعد.
لكن الدرس الأهم يبقى واضحا: الثقة العمياء دون وعي قانوني أو توازن عاطفي قد تكون طريقا للهلاك
كادم بوطيب