بقلم: أسماء النعيمي
ما هو سبب تحويل مواضيع الأزمات الحقيقية إلى نكت تنتج عنها قهقهات عدة ؟؟ لماذا أصبح الغالبية منا يضحك بصوت حاد على كل ما يحدث ؟ هل افتقدنا الإنسانية حتى صار المزاح على مواضيع تتطلب منا التعامل بجدية واحترام ؟ وما الذي دفع غالبيتنا لاتخاذ مبدأ الشماتة على كل من حلت به ضائقة ؟
فعلى سبيل المثال الراهن : تصرفات رئيس حكومتنا التي صارت الخبر الأبرز لصناعة مقاطع هزلية، و فوتوشوب لصور مضحكة، حتى صار الجميع مهووس بمتابعة ومشاركة آخر مستجداته …
بعدها صفقة القرن المعضلة التي استقبلناها في العام الجديد، لم يكن الاستقبال بالشكل العادي المنطقي، قد شاهدنا جميعا النكت التي اخترعت على ترامب الذي كان وراء تسريع الاعتراف بها.
نُسِي صلب الموضوع وتفرغ العديد لصنع كلمات وصور مضحكة حول الرجل الأمريكي الجاذب للانتباه بحماقاته منذ دخوله البيت الأبيض، وبدل البحث حول ما ورد بتلك الصفقة الحقيرة اكتفى بعضنا فقط بقراءة سطور منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى يتسنى صنع نكت تثير قارئها وتتسبب له في ضحكات ليس لها معنى …
تلاها فيروس كورونا الذي أخذ أرواحا فاقت الآلاف بالصين وغيره ومازال ينتشر بباقي أرجاء العالم، لكن ومع خروج ممثل الصحة العالمي وتصريحه بأن الفيروس فتاك وقاتل وعلاجه ليس متوفرا لحد الساعة، ورغم خطورة الوضع إلا أننا شاهدنا كمية مرعبة من النكت الهزلية حول الأمر، وخصصت مبالغ لتسجيل فيديوهات تمثيلية مقلدة لما يقع منها من تتمنى الموت لكل الصينيين، ومنها من تشمت بهم، ومنها لمحاسبتهم بحجة استحقاقهم لأنهم يتناولون المحرم قبل المباح إلى غير ذلك من الحجج…
الأهم أن نضحك ! لا يهم ..
وكأننا افتقدنا كل الأحاسيس صرنا كالدمى ،والعقل الذي يحكمنا ويضبطنا عند الضرورة ألغي تمامًا …
فهل هي خطة سياسية الغرض منها تمويه الشعوب كي لا يلتفتوا للمشاكل الحقيقية، أم الشعوب نفسها تحاول بهذا غض بصرها وصرف مَسْمعَيها عما يقع كي لا تزيد من حدة أزماتها اللامتناهية ؟ أم أن الجواب الحقيقي لكل هذا يكمن بمقولة إبن خلدون في مقدمته الشهيرة حيث يقول: ” إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة وإستعباد ومهانة كمن يُساق للموت وهو مخمور”
إذا كان الأمر هكذا فعلينا جميعا أن نصحوا من غفلتنا، ونقتنع أن لا شيء يحل بالمزاح و الإستهزاء ولندرك أن الأشد فتكا بنا هروبنا من الواقع ومحاولتنا الاختباء وراء ابتساماتنا المزيفة بدل تقبل ما يجري ومحاولة صنع التغيير وسواء بالكورونا أو ترامب أوغيرهم مجرد أحداث وستمر وتصبح في طيّ التاريخ، ورئيس حكومتنا سينتهي أجله ويأتي بديلا له … لكننا باقون …