بحلول 15 شتنبر 2018 تكون قد مرت 3 سنوات على وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة التدبير المحلي بمدينة طنجة، وهي مدة كافية لوضع تقييم أولي لتجربة قادها حزب لا زالت تتوفر فيه بعض مقومات التنظيم في ظل الترهل الذي تعرفه الساحة الحزبية الوطنية، ولا يبدو في الأفق أن العمدة يفكر في تقديم حصيلته النصفية، لإطلاع الرأي العام على ما يمكن أن تكون منجزات وكذا إخفاقات، بعد ابتعادنا عن هذا التاريخ المشار إليه لأزيد من شهر ونصف.
وعول العديد من المراقبين على وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة التدبير المحلي بعاصمة البوغاز، لتطوير الممارسة والارتقاء بها، خاصة وأن للتجربة العديد من نقاط القوة لم تتوفر لغيرها، كحصوله على الأغلبية المطلقة سواء على مستوى المقاطعات الأربع، أو في المجلس الجماعي، وهي سابقة، مما يسهل عملية تمرير القرارات وسرعة اتخاذها، عكس المجالس السابقة التي كانت تجد صعوبة بسبب عدد المكونات المتحالفة وتعدد وجهات النظر، كما أن عدم تحملهم المسؤولية سابقا وقدومهم من المعارضة التي أبدعوا فيها جعلهم محط أنظار عند وصولهم إلى سدة التدبير.
عراقيل وحواجز كبلت يد العمدة
لم يكن يتوقع عمدة طنجة محمد البشير العبدلاوي وهو يضع الرجل الأولى في الطابق السابع من مقر البلدية، ومعه حزب العدالة والتنمية أن توضع أمامه كل هاته العراقيل والحواجز لدرجة أن تصاب معه جماعة طنجة بما يمكن أن نسميه “البلوكاج”، دفع السيد العمدة إلى الاهتمام بملفات هامشية في محاولة للخروج من حالة الانتظار والحصار، ورغم العديد من الحواجز التي واجهت العمدة إلا أن عملية حجز الملايير مباشرة من حساب الجماعة تبقى أجرأ عملية على الإطلاق تقوم بها الجهة المعنية لفرملة عمل العمدة .
ففي سابقة لم يشهدها تاريخ الجماعات الترابية بالمغرب، وتنفيذا لأحكام قضائية سابقة ضد جماعة طنجة، تم اقتطاع ما مجموعه 50 مليار سنتيم مباشرة من حساب الجماعة، متفرقة على مدى ثلاث سنوات، هذا إذا علمنا أن ميزانية الجماعة السنوية تبلغ 75 مليار سنتيم، مما أدخل الجماعة في شلل شبه تام، ورغم كل هاته الحجوزات التي يمكن أن نصفها بالمثيرة، يأتي تصريح للنائب الأول للعمدة ليعطي المزيد من الإثارة والتشويق لهذا الملف عندما يقول : “ومع ذلك لا زلنا نحسن الظن فليس في هذا الأمر أي غرابة، ولا أي استهداف هو فقط تطبيق للقانون وأداء لحقوق الأغيار ليس إلا..”.
الوالي يمارس اختصاصات العمدة
مباشرة بعد وصوله لمنصب العمودية، قال محمد البشير العبدلاوي في تصريح لموقع حزبه “إن ما كنا نعيب على المجلس السابق عدم القيام به أو الإقدام عليه أو تأخيره أو استعجاله، قد حان الوقت لفعله والإنتقال من التعبير عن الرغبة في التغيير، إلى قيادة هذا التغيير والقيام بما يلزم من إصلاح”، لكن مع مرور الأيام والأسابيع بدأ حماس البداية يقل بل ويتلاشي، عندما وجد العمدة نفسه أمام مشكلة آخري بعد معضلة الحجوزات، وهي أن اختصاصاته تم تهريبها إلى الطابق الرابع من ولاية جهة طنجة، حيث مكتب الوالي الذي لا يجد حرجا في ممارسة اختصاصات المؤسسات المنتخبة وفي مقدمتها صلاحيات رئيس المجلس الجماعي.
وسنقدم ملف الأسواق كنموذج لعدم ممارسة العمدة لاختصاصاته كما ينظمها القانون التنظيمي رقم 113.14 المنظم للجماعات، حيث انفردت ولاية طنجة أمام اندهاش المراقبين وصدمة العمدة ومن معه بتدبير ملف أسواق القرب من ألفه إلى يائه، وسط إقصاء واضح للجهات المعنية بالملف، وهي جماعة طنجة وغرفة التجارة والصناعة والخدمات، ويكفي أن نشير إلى اللقاء الذي عقد بمقر غرفة التجارة يوم السبت 23 دجنبر الماضي، لإجراء عملية القرعة للاستفادة من 435 دكان بسوق أرض الدولة، حيث لم تحضر الأطراف المعنية، وتدخلت الولاية بثقل أجهزتها لحسم كل شيء.
ليس هذا فحسب بل إن ولاية طنجة أقدمت يوم 28 دجنبر من سنة 2017 إلى هدم سوق كبير بحي بئر الشفاء، دون أن ترجع إلى جماعة طنجة صاحبة الاختصاص للموافقة عبر مقرر جماعي، على اعتبار أن السوق المشار إليه يوجد في سجل ممتلكات جماعة طنجة، حيث ينص القانون على أن “سلطة إحداث وإغلاق أي مرفق عمومي محلي يرجع إلى المجلس الجماعي عبر مقرر جماعي يصادق عليه المجلس في إحدى دوراته”، وغيرها من المبادرات التي تؤكد أن الولاية ماضية في تحركاتها غير آبهة لا بالعمدة ولا بخرقها المستمر للقانون.
ضعف مبادرات العمدة
ورغم هذا الحصار وهذا المأزق الذي وجد العمدة نفسه فيه بعد مرور 3 سنوات على تقلده المسؤولية، ومع ذلك نجد مبادراته لفكه جد متواضعة، كما أن فريق العدالة والتنمية بمجلس المدينة لا نسمع له همسا إلا في حالات موسمية، ويمكن ان نحدد مبادرات العمدة في محاولة للخروج من الدائرة التي وضع فيها على مستويين :
ـ المستوى الأول يتعلق بتوجيهه رسائل للعديد من الجهات لإيجاد حل لقضية الحجوزات المبالغ فيها، وهكذا راسل مثلا رئيس الحكومة الذي لم يستجب لنداءاته حتى الآن، كما أنه طرح سؤالا على وزير الداخلية باعتباره عضو بمجلس المستشارين الغرفة الثانية للبرلمان، وكانت المفاجأة أن كاتب الدولة في الداخلية دعاه إلى تحمل المسؤولية والبحث عن إيجاد حلول ما دامت الجماعات الترابية تتمتع بالاستقلالية على هذا المستوى، هذا ولم نجد أي نقاش للعمدة مع والي الجهة عامل عمالة طنجة حول استرجاع صلاحياته، وهو ما يجعل العديد من المراقبين يعتبرون أنه ليس للسيد البشير العبدلاوي الجرأة للمطالبة بذلك.
ـ أمام عدم إيجاد العمدة من يستمع إليه، لجأ إلى تحركات اعتبرها العديد من المتتبعين هامشية، مقابل صلاحياته الكبيرة التي تخلى عنها، فتحركات العمدة خلال الأسابيع الأخيرة أصبحت تتوزع ما بين استقبال وزيارة وحضور مقابلة لكرة القدم، ولقاءات تواصلية مع جمعيات وزيارة لمقر جمعية تعنى بالكلاب الضالة.. وهكذا.
والغريب أن الحزب وطنيا وأيضا محليا، لم يصدر عنه حتى الآن أي إشارة قوية حول ما تعيشه جماعة طنجة، وبالضبط وضعية العمدة الذي أصبح محشورا في الزاوية، دون دعم سواء من هيئته السياسية، أو الأحزاب سواء تلك الممثلة داخل مجلس المدينة أو خارجها، أو حتى تلك المتواجد بالشارع، أما هيئات المجتمع المدني فمعظمه يوجه سهام نقده للعمدة في سياق معضلة دعم الجمعيات بالمدينة.
عدم مصارحة الرأي العام بالحقيقة
مما يزيد من أزمة عمدة طنجة، الضغوطات التي تمارسها قواعد الحزب المطالبة باطلاع ومصارحة الرأي العام بالصعوبات التي تواجهها المؤسسات المنتخبة التي يسيرها الحزب محليا، لكن على ما يبدو فإن القيادات المحلية ترفض هذا المقترح .
فحسب مصادر حضرت اللقاء الذي نظمته الكتابة المحلية بمغوغة منذ أيام، للتواصل مع مناضلات ومناضلي الحزب، وكان تحت شعار اللقاء الداخلي أساس استمرارية العمل التنظيمي”، أطره كل من عبد الله شبابو ومحمد بوزيدان فإن الحاضرين وجهوا انتقادات شديدة لطريقة التدبير المحلي لشؤون المدينة، خاصة بعد أن اعترف رئيس مقاطعة مغوغة، بالتدخلات المستمرة للسلطات الوصية، وممارستها للعديد من اختصاصات المقاطعات والجماعة، مطالبة بكشفها للمواطنين.
ذات المصادر أضافت أن تدخلات المسؤولين كلها رفضت مقترح التواصل مع الرأي العام لإخباره بحقيقة ما يجري وراء الستار.