“وباء كورونا ” على ضوء تاريخ الزمن الراهن

بقلم الباحثين: توفيق عزوز – يوسف العطوشية

وضع وباء كورونا المؤرخ مع أسئلة كبرى ومرحلة مفصلية في تاريخ البشرية، يحتم عليه الإنسلاخ من الأزمنة التاريخية الأربعة المتعارف عليها (تاريخ الزمن القديم_تاريخ الزمن الوسيط_تاريخ الزمن الحديث_تاريخ الزمن المعاصر) و الإنفتاح على تاريخ الزمن الراهن، الذي و إن اختلف تحديد متى يبدأ و متى ينتهي، نجد ” فتحي ليسير” يحدد هذا الإشكال في الأعوام بين الخمسين والستين الأخيرة وبين مدة زمنية تنحصر في جيل واحد.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

على ضوء هذا استقطب تاريخ الزمن الراهن عددا كبيرا من المؤرخين و المختصين في العلوم السياسية و في علم الإجتماع و الأنتربولوجيا، يمكن القول أن الفكر التاريخي وقع له في السنوات الأخيرة وعي بأن ذلك الابتعاد في الزمن، يبعده عن المجتمع وعن الواقع. وقد تم تدارك الأمر، وأبدع المؤرخ زمناً تاريخياً خامساً هو “تاريخ الزمن الراهن”، والذي ستكون جائحة كرونا ضمن القضايا الكبرى التي عليه دراسة أبعادها لمحاولة الإجابة على أسئلة التي كانت تحتاج لبعض الوقت في الماضي لفهم صيرورتها و كنه نتائجها، لكن وكيفما كان الحال، فقد دخلنا في مرحلة جديدة من تاريخ البشرية، لا أعرف كيف سنسميها فذلك من مهام الفئة المذكورة أعلاه.

ولعل أبرز عودة يمكن تسجيلها اليوم هي للتاريخ السياسي، الذي أبعد إلى الهامش مع مدرسة الحوليات، لكن مع تجديد تناوله على صعيد المنهج، و على صعيد المصطلح والرمز، حيث لم يعد تناوله مقتصرا على الظواهر الديبلوماسية والعسكرية، وإنما امتد ليشمل حوادث الساعة، و وباء كورونا COFID19 إلا حدثا يستحق الوقوف عنده و فهم انعكاساته قبل أسبابه التي ربما ليس هناك مسافة زمنية تضمن لنا الموضوعية المنشودة عند كل مؤرخ، لكن هل يمكن القول أن الأوبئة تعد مرحلة مفصلية لبزوغ أزمنة تاريخية جديدة؟

يجيبنا الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش في مقال له تحت عنوان “هل يقرّب وباء كورونا نهاية العولمة وبداية تحقيب جديد للتاريخ؟” بمثال الآتي: القول ذاته يصدق على الطاعون الأسود المرعب الذي ضرب أوروبا وعددا من أنحاء العالم في القرن الـ14م، وأثبت عدم قدرة السلطات المكونة من النبلاء وأمراء الإقطاع على التصدي له، فكان هذا العجز إعلانا عن إفلاسها وعن إفلاس نظام الإقطاع، في وقت بدأ وعي الأقنان يتولد تحت الحاجة إلى الصحة والتشبث بالحق في الحياة، مما شكل بداية لنهاية الحقبة الفيودالية في أوروبا وبداية عصر النهضة، وتمخضت عن ذلك نتيجتان تعكسان الانتقال من حقبة عصر الوسيط إلى حقبة العصر الحديث.

ختاما، سيظل تناول تاريخ الزمن الراهن قائم مادام صناعه و شهوده على قيد الحياة، إلى جانب هذا فالتقوقع في الماضي السحيق لا يفيد مهنة المؤرخ في عالم اليوم، الذي تشعبت فيه الحوادث والوقائع، و تطورت العلوم الدقيقة و تجددت المناهج التاريخية.

البيبيلوغرافيا المعتمدة :

 

_فتحي ليسير، تاريخ الزمن الراهن عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر.
_خالد طحطح، تاريخ الزمن الراهن السياق و الاشكاليات، مجلة أسطور، العدد 2، 2015.
_إبراهيم القادري بوتشيش، هل يقرب وباء كورونا نهاية العولمة و بداية تحقيب جديد للتاريخ ؟، مقال في جريدة هسبريس, 21 مارس، 2020.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.