بقلم: حميدة الجازي
في الوقت الذي اضطرت فيه العديد من القطاعات ببلادنا إلى التوقف التام عن تنظيم أي أنشطة ثقافية أو رياضية أو إشعاعية تحت ضغط اكراهات التباعد الاجتماعي كإجراء من إجراءات الحجر الصحي التي تتخذها بلادنا لمواجهة وباء كورونا (كوفيد19)، سجلت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير حضورها القوي ضمن عدد قليل من القطاعات الحكومية التي استطاعت الصمود وتدبير مرحلة التباعد الاجتماعي وبصمت على حضورها عبر استراتيجية ورؤية متميزة في التعامل مع هذه الأزمة بكل حزم وجدية وكسب رهان ضمان استمرارية الأنشطة الثقافية ذات الصلة ببناء الانسان المغربي وعلاقته بالوطن والتاريخ.
إن سؤال وباء “كوفيد 19” وقدرات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومؤهلاتها كان مطروحا منذ البداية وهو سؤال ترتكز إجابته على توجهين كبيرين يشيران إلى قدرة مندوبية “الكثيري” على تدبير المرحلة بكل حنكة واقتدار…
أولا : ان المتتبع للشأن الثقافي ببلادنا سيلاحظ لا محالة الدينامية المتواصلة في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مجال البحث العلمي والتاريخي، حيث يتم إعداد كم مهم من البحوث والدراسات حول اعلام ورموز الحركة الوطنية ومجمل المحطات والأحداث التاريخية المرتبطة بمسلسل الكفاح الوطني، مرورا بباقي الدراسات والأبحاث ذات الصلة بالتواصل، والإعلام والعلوم الاجتماعية، وغيرها، بل حتى الكتابات المتعلقة بالطفل تأخذ حيزا هاما اذ تخصص لها مسابقة لفرز الأعمال المتميزة ونشرها بجودة عالية، مجهودات تتم بمتابعة شخصية من السيد المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري وبتظافر جهود كل الأطر من رؤساء للمصالح والأقسام وموظفين ونواب جهويين وإقليميين وقيمات وقيمين.
ثانيا : زيادة عدد فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير كبنية ادارية سعيا إلى الحفاظ على التراث المادي واللامادي للوطن والترويج له باستقطاب خيرة الأطر العليا والكفاءات من مختلف المجالات للاشتغال في تدبير وتسيير هذه الفضاءات مسلحين بهامش محترم جدا من حرية التصور والإبداع.
إن هذين التوجهين الكبيرين جعلا المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مؤهلة بشكل كبير لمواجهة تداعيات الوباء، سواء من حيث مواكبتها كما قلنا للدراسات والأبحاث والمطبوعات بأعداد هائلة، أو من حيث توفرها على وحدة إدارية ديناميكية مثل فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير التي تعتبر قناة تصريف قوية للرسالة النبيلة التي تتبناها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بشبابها وأطرها بما يتوفرون عليه من قدرات معرفية وتواصلية ومواكبتهم لمختلف الوسائل التكنولوجية الحديثة.
وللإشارة فقد كانت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من الادارات السباقة الى تفعيل المذكرة الحكومية بشأن الرقمنة لخدمة المرتفقين عن بعد من خلال وسائل التواصل الحديثة حرصا على سلامتهم الشخصية، وتماشيا مع اجراءات الحجر الصحي التي تفرضها بلادنا للحد من جائحة كورونا، بل أكثر من ذلك فقد حرص السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري على استخدام البث المباشر من خلال الصفحة الرسمية للإدارة للتواصل مع أطر هذه الأخيرة في مختلف أنحاء المغرب، اضافة الى تعريف الرأي العام الوطني بالمجهودات المبذولة في هذه الظرفية الحرجة التي تمر منها بلادنا والعالم بشكل عام، وهو ما ينم عن فكر متجدد استثنائي ومواكب للمستجدات العلمية والتكنولوجية ومتلائم مع تحديات الظرفية الحالية.
وفي هذا السياق وبالتزامن مع اليوم العالمي للمتاحف الذي يصادف 18 من ماي والذي دأبت فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير على الاحتفال به من خلال الأيام المفتوحة، والأنشطة المتنوعة التي تعرف بأهمية الفضاء المتحفي وما يقدمه من أدوار هامة، وبما أن إجراءات الحجر الصحي حالت دون ذلك فقد وجد أطر هذه الفضاءات أنفسهم أمام تحد جديد ألا وهو التفكير في أنشطة افتراضية تتلائم والمرحلة الحالية حرصا على الاستمرار في أداء الرسالة المنوطة بهم، والمتمثلة في ترسيخ قيم المواطنة الصادقة وصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والتعريف بها، منها أنشطة فكرية متنوعة، ولائحة بأهم المراجع التي تزخر بها مكتابات هذه الفضاءات اذ وضعت رهن اشارة القراء، كما نذكر على سبيل المثال لا الحصر تجربة فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة حيث تم استخدام الجولات الافتراضية المباشرة المعتمدة على التعليق المرافق، إضافة الى مقاطع فيديو مسجلة للتعريف بالفضاء المتحفي وما يقدمه من خدمات مع الحرص على التذكير بأهم المحطات المشرقة في تاريخ بلادنا سعيا نحو الحرية والاستقلال، دون إغفال التفاعل مع المتتبعين والإجابة عن أسئلتهم.
وختاما لا يفوتنا الاشادة بالمقاربة الانسانية التي ما فتئ السيد المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري يؤكد عليها استحضارا لروح التآزر والتضامن بين مختلف مكونات الشعب المغربي لا سيما فيما يخص أسرة المقاومة وجيش التحرير من حرص على الاستفسار عن أوضاعهم وأحوالهم الصحية على مألوف العادة بغية التخفيف عنهم من ظروف الأمراض والعلل التي يعانون منها، إضافة إلى تخصيص اعانات مالية لفائدة عدد من قدماء المقاومين وذوي حقوقهم وهو ما خلف صدى طيبا لدى المنتمين لهذه الاسرة المجاهدة مع الحرص على حث المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير المستفيدين من امتياز استغلال وكالة أسواق الجملة لبيع الخضر والفواكه ودعوة المقاومين غير الوكلاء للمساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة “فيروس كورونا” المستجد الأمر الذي لاقى استحسانا من طرفهم ولبوا نداء الوطن كما هو معهود فيهم.
* القيمة على فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة