من مغوغة بطنجة.. ساكنة تعيش في الأكواخ البلاستيكية وأطفال يعملون في المطرح العمومي لإعالة أسرهم

متابعة: أيوب الخياطي

أنا عايشة عيشة مقهورة » بألمٍ كبيرٍ تَحكي زينب الوردي عن واقع مرير تَعيشه هي وأسرتها بمنطقة عين أقنا مغوغة، حيث تقطن في كوخ بلاستيكي يبعد عن مطرح النفايات بأمتار قليلة.
زينب تتابع دراستها بالمستوى الخامس ابتدائي، وتتعرّض لمضايقات كثيرة من طرف زملائها في المدرسة، بسبب صعوبة القراءة والكتابة، حيث تُضطر أستاذتها مرارًا وتكرارًا إلى تنبيهها وحثّها على بذل مجهود مضاعف لتحسين مستواها الدراسي.
الشيء الوحيد الذي تحلم به زينب الآن هو منزل صغير دافئ يَحميها هي وأسرتها من برد الشتاء القارص، ومصباح كهربائي تستعين به من أجل إنجاز الواجبات المدرسية، دون الحاجة إلى إشعال شمعة واحدة لا يملك أبويها ثمنها.
يقول والد زينب، رضوان الوردي، أنه عاجز عن كراء بيت لأسرته الصغيرة، حيث يضطر للعمل في مطرح النفايات ساعات طويلة لكي يعيل أسرته.
ويضيف والد زينب، أن السلطات المحلية هدمت سكنه العشوائي سنة 2015م، ومنذ تلك الفترة وهو يعاني التشرد برفقة عائلته، ويتساءل قائلًا: « واش أنا معنديشي الحق نستافذ من برنامج مدن بدون صفيح ؟ » « واش أنا من اللاجئين؟ أنا بيدي مواطن مغربي ».
معاناة الوردي لا تقف عند هذا الحدّ، بل تُصبح أكثر تعقيدًا، إذ يضطر كل صباح إلى إزالة الكوخ البلاستيكي من مكانه، لأن السلطات المحلية تُطالب ساكنة هذه المنطقة بذلك، فهي تريد أن تظهر هذه البقعة الأرضية فارغة حسب قوله.
ويطالب الوردي من المسؤولين بإيجاد حلول عاجلة لهذا المشكل الذي يعاني منه منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويضيف أن حالته الصحية تتدهور يومًا بعد يوم، خصوصًا أن طبيعة عمله بمطرح النفايات يجعله عرضة لأمراض عديدة.
السلطات المحلية والساكنة
قال عبد الإله مريزق، النائب عن ساكنة عين أقنا، إنه منذ 2008م، والعشرات من العائلات تعاني التشرد، بسبب اتخاذ السلطات المحلية لقرار هدم البراريك، على أساس أن الأرض التي تتواجد عليها ملك خاص، رغم أنها جماعية.
ورفعت الساكنة عددًا من الشكايات للمسؤولين، ونظمت وقفات احتجاجية دون جدوى، إلى غاية سنة 2013م، حيث انعقد بمقر ولاية طنجة تطوان الحسيمة اجتماع ترأسه الكاتب السابق للولاية بحضور رئيس الدائرة الحضرية وممثل شركة العمران-البوغاز وممثلو سكان براريك عين أقنا، وتم الاتفاق على مجموعة من النقاط من بينها إحصاء عدد الأسر والتوافق بشأنها، من أجل تسوية وضعيها، عبر الاستفادة من برنامج مُدّن دون صفيح، لكن هذه الاستفادة لم تعمّم على الجميع، واستمرت معاناة السكان الذين لم يتم تسوية وضعيتهم القانونية إلى حدود كتابة هذه السطور.
ويضيف مريزق، في سنة 2017م، تمّ هدم البراريك مرة أخرى، وشردت عشرات العائلات، وأصبحت تبيت في العراء، وتقتات على بقايا المطرح العمومي القريب من المكان.
مريزق قام بعدد من المراسلات -تتوفر جريدة لاديبيش على نسخ منها- لكن دون جدوى، وتبقى آماله مرتبطة بمدى استجابة المسؤولين لمطالب الساكنة التي تبقى مشروعة حسب قوله.
إقصاء وتهميش
يحكي عبد النبي القصري، ذو العقد الخامس بمرارة، ما حدث له من « إقصاء » و »تهميش »، ويرجع بنا إلى سنة 2013م عندما تدخّلت القوة العمومية، وقامت بعملية الإفراغ بحجة أن القطعة الأرضية التي كانت تقيم فيها حوالي 200 عائلة ملك خاص.
ويقول القصري: إن 43 عائلة فقط من أصل 200 هي من استفادت من برنامج مُدّن دون صفيح، وبعد طلب استعطاف من والي الجهة استفادت 14 عائلة أخرى من البرنامج.
القصري لا يستطيع توفير القوت اليومي لأطفاله السبعة، وذلك بسبب حالته الصحية التي منعته من الاشتغال بمطرح النفايات.
وعلى الرغم من توفره على بطاقة الراميد، فإنه لا يستفيد من خدماتها، ويعدها بطاقة « لا تسمن ولا تغني من جوع ».
” الغالب الله مابقالشي الإمكانيات باش نقاري بنتي ” يقول القصري مسترسلًا حديثه لجريدة لاديبيش، حيث اضطرت ابنته إلى مغادرة الحجرات الدراسية-الأولى إعدادي- بسبب عجزه عن أداء المصاريف اليومية.
معاناة القصري لم تقف إلى هذا الحد، بل اضطر ابنه سفيان القصري الذي يتابع دراسته في المستوى الخامس ابتدائي، إلى العمل في أوقات فراغه في مطرح النفايات، من أجل إعالة أفراد أسرته.
ويعيش سفيان في كوخ بلاستيكي رفقة أسرته، ويحلم ببيت صغير يؤويه من برد الشتاء القارص، وفرصة علاج لأبيه الذي أنهكه المرض حتى أصبح عاجزًا عن الحركة.
تفكك أسري
يعيش التاقي هشام، أب لأربعة أطفال، في وضعية مادية حرجة، إذ يجد صعوبة في الحصول على عمل بسبب عدم توفره على البطاقة الوطنية.
التاقي حاول مرارًا وتكرارًا طرق أبواب الإدارات العمومية واستعطاف المسؤولين قصد منحه « شهادة السكنى » تُثبت بأنه يقطن في منطقة عين أقنا، لكن السلطات تمتنع عن ذلك.
لم يستطع التاقي تحمّل أعباء المصاريف الأسرية فاضطر إلى تسليم اثنين من أبنائه إلى دار الخيرية، حيث يتابعان دراستهما هناك.
ويتقاسم التاقي مع زوجته الحامل كوخًا بلاستيكيًا يحتميان فيه من الأمطار، وتحكي زوجته بمرارة عن الحالة التي وصلت إليها، ودموع الألم تغالبها بين الفينة والأخرى، خصوصا عندما تتذكر آخر مرة رأت فيها فلذات كبدها، كانت قبل ستة أشهر عندما زاراها فجأة في كوخها البلاستيكي، ثم انقطعت بعد ذلك أخبارهما.
وتضيف زوجة التاقي بنبرة حزينة « أنا ولادي مكنعرفوم واش واكلين ولا شاربين ولا ناعسين، أنا عييت من هذه العيشة ». وتحلم زوجة التاقي بلم شمل أبنائها ذات يوم، والاستقرار في بيت صغير مع أسرتها.
” أنا سمحت فيا الزوجة ديالي ” بهذه العبارة بدأ رشيد القنفودي سرد حكايته لجريدة لاديبيش، إذ قبل إفراغ السلطات البراريك كانت عائلته تعيش حياتها بشكل طبيعي وسط دور الصفيح، لكن في سنة 2013م ستتحول حياة أسرته إلى جحيم لا يطاق عندما فككت القوات العمومية.

 

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.