قبل عشرون عامًا عاما من الآن كانت ساكنة إقليم الفحص أنجرة شبه منسية ، فتلك البقعة التي يستوطنونها دائما ما كانوا يعتقدونها مجرد كمالة عدد فوق خريطة البلاد، لذلك نجد غالبيتهم آنذاك صنعوا لأنفسهم حياة مختلفة عن باقي مناطق البلاد ،وجدوا أنفسهم مرغمين على البحث عن مصدر قوتهم اليومي الذي ندرك مصدره جميعا ، حيث كانت فئة منهم تقتات من الفلاحة المعيشية والفئة الأخرى من الصيد البحري التقليدي وبعضهم من التجارة البسيطة والفئة المتيسرة أحوالها تلتجئ للتهريب.
أما فيما يتعلق بالعم فشباب هؤلاء غالبا ما كانوا يبعثونهم لتلقي العلم في “المسيد” وقلة قليلة جدا منهم من كسروا القاعدة وقاموا ببعثهم للمدن المجاورة لاستكمال دراستهم، ظلوا لفترة طويلة من الزمن يعتمدون على ذواتهم لخلق فرص الحياة بعيدا عن تدخل المسؤولين الذين يزورونهم فقط وقت الانتخابات فيمنحونهم أصواتهم دون أن يتكبدوا عناء المطالبة بحقوقهم ،
بدءا من البنية التحتية المهترئة ،إلى التعليم الذي كان مقتصر ا على مؤسسات الابتدائي وكأنها صممت لهذه الساكنة كي تتخطى عتبة الأمية فقط ،أما مراكز التكوين فهي منعدمة ،ناهيك عن الوضع الصحي فحدث ولا حرج …
لكن بعد 2003 فجأة أصبح للإقليم شأن عظيم بعدما أعطى جلالة الملك الإنطلاقة لمشروع الميناء المتوسطي الذي يعد الأول إفريقيا والثاني عالميا تغيرت معالم الإقليم بشكل كامل ، واستبشرت الساكنة في البداية خيرا حيث ظنت أنها وأخيرا ستمنح أبنائها العيش الهنيء حين سمعت جلالته يوصي بتشغيل غالبية الساكنة.
لكن ! الأمور جاءت عكس التوقعات تماما.
فأبناء الإقليم حرموا من فرص الشغل المتوفرة بالأوراش التي أنزلت على أراضيها والأدهى من ذلك فقدوا حتى مصدر قوتهم اليومي ووجدوا أنفسهم محاصرين بين الفاقة التي يعانون منها وبين الكم الهائل من المشاريع المنجزة على بضع خطوات من منازلهم ، من يراهم من البعيد يظن أنهم أكثر ساكنة البلاد حظًا وينسبهم للطبقة الغنية.
في حين أن غالبيتهم لا يملكون حتى عملا قارا يلبي الحاجيات الأساسية وحينما تمردوا وطالبوا بحقهم في التشغيل قوبلوا بالقمع بحجة عدم توفرهم على شواهد تعليمية تؤهلهم لذلك ،هذه الشواهد التي كان من المفترض حينما أنزل الورش على أراضي الإقليم أن توضع قبله المؤسسات التعليمية والتكوينية لأجل الحصول على شواهد تجعلهم أهلا للعمل بهذه المشاريع ،
ومع الأسف هذا ظل حلما فقط ،حتى تلك المهن البسيطة التي لا تحتاج لشواهد علمية لم تعد متوفرة حيث أن هناك بعض المسؤولين بالشركات الخاصة قد غطى على الخصاص المتواجد بالمشاريع من خلال جلب معارفه من العائلة والأصدقاء المنتسبين للمدن البعيدة فلم يترك أي فرصة لشباب الإقليم ، وهنا ليست عنصرية كلنا أبناء مغرب واحد لكن هناك شيء يدعى ب ‘الكفاءة’ فإذا امتلكها ابن الإقليم ما الداعي لاستقطاب شخص من جهات أخرى.
ابن الإقليم الذي دافع عن حقه ولم ينله حتى طفح الكيل ومرت الأعوام حتى وصلنا للمرحلة الأسوأ وشاهدنا شبابنا في مقابل العمر يفقد روحه التي تعتبر أغلى ما يملك في سبيل حياة كريمة وعادوا للعمل بالتهريب رغما عنهم بعدما أوصدت جميع الأبواب في وجوههم كلما ذهبوا للبحث عن فرصة عمل ولو بثمن بسيط يوفر متطلبات أسرهم …
فمن سيتحمل مسؤولية هؤلاء الشباب ؟
ومن سيدفع ثمن ما حدث للذين فقدوا أرواحهم غرقا في سبيل توفير لقمة عيش لهم ولعائلاتهم التي لم يعد لها حل سوى السماح لأبنائها بخوض مغامرة البحار والعمل بالتهريب كي يستطيعوا تحقيق أبسط شروط العيش؟؟؟
من سيتحمل مسؤولية أسر الضحايا المرميين بالسجون بسبب التحاقهم بعمل غير قانوني لينتشلوا أحبائهم من الذل ؟
هل ستكفي الشعارات الرنانة من قبل المسؤولين والتي حفظناها جميعا عن ظهر قلب كلما وقعت حادثة غرق من هذا القبيل وجدناهم يتصدرون وسائل الإعلام رافعين أصواتهم وكأن أرواح وحرية هؤلاء الضحايا تهمهم ؟
هل ستشبع بطون الأسر بتلك التعزيات التي تقال لهم بعد فوات الآوان ؟
على رأي جملتنا الشهيرة ” خايبة حتى لمعاودة” في زمن فات الألفين والعشرين وبالقرب من أكبر الموانئ بالعالم ومشاريع عالمية انشئت على أراضي آباء وأجداد الساكنة ،تلك الأراضي التي شهدت على تاريخ المغرب العظيم وساهمت في تحريره.
ولكن ! إيجاد فرصة عمل لهم بكل ذاك الضخم من المشاريع صارت من الأشياء المستحيلة …