أسماء النعيم
ونحن على بعد أيام قليلة تفصلنا من عيد الأضحى المبارك الذي من المفترض أن يكون عيدا للجميع ، ومناسبة عظيمة لترسيخ الشعائر الدينية في أذهان الأجيال القادمة ولاستشعار الفرحة والاستمتاع به كونه يعدّ فرصة لتبادل التهاني بين الناس ولدعم روابط الاخوة الانسانية بينهم إلا أنه في ظل هذه التغيرات الاقتصادية والأزمات المتتالية التي باتت تثقل كاهل الأسر بسبب ارتفاع الأسعار وتقليص نسبة المداخل وإشكالية البطالة التي تعاني منها غالبية الأسر ، أصبحت علاقة العيد والمواطن البسيط كالمستقيمان لا يستطيعان الالتقاء حيث بات هذا الأخير يستثقل حضور العيد وكأنه زائرا غير مرحب به ، فمن جهة يتحسر لعدم قدرته على استقباله كما يجب ويشعر بالذنب جراء ذلك ، ومن جهة أخرى يشعر وكأنه الضحية الأولى في كل مناسبة دينية أو إجتماعية .
تختفي ابتسامته ويرتسم بمحياه كل تعابير الحزن والسخط و ينسى الفرحة التي من المفترض أن تُدخل على قلبه البهجة من شدة الضغوطات التي يكابدها بدءا من التفكير في كيفية توفير المبلغ المطلوب لشراء الأضحية إلى ملابس أطفاله انتهاءا بحاجيات البيت الضرورية ليجد نفسه مكبل اليدين لا حيلة له ، شعوره بالتقصير مهما كافح وحاول جلب مرتب شهري محترم يلبي على الأقل حاجيات أسرته يظل المبلغ الذي يستطيع تحصيله زهيدا لا يتماشى مع ثمن المتطلبات الضرورية التي يرتفع سعرها كل يوم.
وكلما اقتربت الأعياد يزداد حجم قلقه خوفا من عدم قدرته على إدخال السرور لمنزله في مناسبة كهذه ، خصوصا وهو يرى أننا نعيش في مجتمع أصبح لا يرحم ، حيث أنه يرغمه على أن يحمل همّ الأضحية وشكلها وحجمها حتى لا يصبح عرضة لتهكم بعض من جيرانه أو أفراد عائلته الذين يملكون دخلا مناسبا يجعلهم يتباهون بأضحيتهم وكأنها ستعلق على الجدار كزينة لمنزلهم مدى العمر ، هؤلاء الذين غيروا معنى العيد …
لذلك يبقى هذا المواطن البسيط هو أكثر المتضررين يظل يحارب ويفعل أكثر ما بوسعه حتى لا يكون أضحوكة لأمثال هؤلاء وحتى لا يكون سببا في شعور أبنائه وزوجته بالنقص وبأنهم أشخاص دون المستوى ، ليصير في هكذا مناسبات على استعداد تام لبيع كليته ولا يقبل بأن يقع فريسة للسان أولئك
وبالرغم من وجود محسنين يتسابقون للهير في هذه الفترة وبعض من الملقببن بصناع المحتوى والجمعيات الخيرية الذين يساهمون في مساعدة الأسر ذات الدخل المحدود أو المنعدم في كثير من الأحيان إلا أنه ليس كل المواطنين البسطاء يقبلون الصدقة لعدة أسباب من أبرزها موضة صور المساعدات من قبل نسبة كبيرة من هؤلاء نجدهم يتخذون الضعفاء حجة للاسترزاق على ظهرهم ، وهذا طبعا لا يقبله المواطن الذي يظل متشبثًا بكرامته ولا يقبل التنازل عنها مهما استفحل وضعه وازدادت فاقته ، مما يجعله دائمًا أول ضحايا المناسبات ببيع آخر ما لديه ويشتغل ليل نهار لئلا يضطر لمدّ يديه أو قبول المساعدات من أولئك ، وإن تمكن من تحقيق هدفه آنذاك فقط يشعر أنه ينتمي لهذا المجتمع ، المجتمع المتصنع الراكض وراء المظاهر الفارغة.