أسماء النعيمي
ينشغل المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات الدولية اليوم في متابعة الهزات المالية المتتالية، وارتفاع الأسعار الذي يعرف تغيرا صاروخيا يفوق قدراته لكنه يجد نفسه مضطرا ليتعايش في الوقت نفسه مع هذه التقلبات السريعة، بدءا من تقلب أسعار العملات، إلى إفلاس بعض الدول، ومنها العربية، وصولاً إلى تضخم الأسعار، وانهيار بنوك في العالم كبنك «سيليكون فالي» و»سيغنتشر» و»سيلفر غيت»، والهبوط المهول الذي يشهده سوق الأسهم وتغير منحنياتها على الشاشات، الأمر الذي دفع البعض للتفكير جديا في خلق حلول بديلة، مثل تجميد المال عبر شراء الأراضي والعقارات، أو شراء الذهب وادخارهِ، في حين نطالع آراء الغالبية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتقد أن كل ما حدث هو مجرد مؤامرة للسيطرة على اقتصاد العالم ، حيث تفتح «مواقع التواصل الاجتماعي» الباب على مصراعيه لتحليل أي أزمة بالعالم ، ومنها هذه الأزمة المصرفية، ونجد كثيراً من الناس ينجذب إلى «التقولات»، مع رفض تحليل الخبراء والمختصين، وسماع الأخبار الزائفة، التي لا تستند إلى مصدر، أو تلك التي تُحرف وتُزيف الوقائع وفق هواها ومبتغاها!؛ فمن المعلوم أن هذه الأزمة ليست الأولى،فعلى مر التاريخ عرف العالم الكثير من الأزمات الاقتصادية ولن تكون الأخيرة في عالمٍ الثابتُ فيه متغير! إلا أن الثابت هنا أمزجة الناس ممن يرفض أطروحات الأطر الرسمية، ورأي أصحاب الخبرة في أوقات الأزمات، انطلاقاً من سيطرة نظريات المؤامرة في هذا السياق، الأمر الذي تكرر، ولنا أن نتذكر، ما قيل عن لقاحات الكورونا، والجدل الذي أثير حولها.
على الجانب الآخر من التهويل وتضخيم أزمة البنوك، على النحو الذي ينذر أن الاقتصاد العالمي على شفا حفرة من السقوط في غياهب المجهول؛ نجد فريقاً له صولة وجولة، يعتقد اعتقادا جازماً لا رجعة فيه، أن هذه الأزمة مفتعلة، وأنها مجرد «مسرحية»، تهدف إلى نهب أموال المودعين والمستثمرين وتحويلها إلى جيوب القائمين على «رأس المال العالمي»، أو «أولئك الأشباح الذين يحكمون العالم بشكل خفي »! وفي سياق آخر ثمة من يرى أن هذه الأزمة مفتعلة، تهدف إلى إنهاء التعامل بالعملات الورقية، تمهيداً إلى فرض التعامل بالعملات الرقمية (مثل البتكوين)، والهدف أيضاً هو لسيطرة “أولئك الأشباح ” على عالمنا، وهنا يرتفعُ صوتُ الأسر المتوسطة التي تقاتل لأجل توفير لقمة العيش في هذه الأزمة وتصرخ بأننا نعيش في «عالم ليس لنا ، عالم تفوق حاجاته طاقتنا »! ونجد كذلك في أقاويل الناس بزمن الفضاء الأزرق، حيث تختلط الأوراق على طاولة النقاش؛ فينقض المارد الصيني على الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة البنوك، لينهش اقتصادها، وليحلَّ في موقعها عالميا، ويا لهولِ ما سيحدث ويؤثر بشكل سلبي على القدرة الاستهلاكية للمواطن البسيط الذي نجد البعض منه غارقا في مأزق “الديون ” لا يجد طريقة لتسديدها مما يدفعه للاستسلام وانتظار معجزة ما تحدث كي تنقذه ، بعدما فقد الأمل في الحكومات لتخفيض الأسعار .
وتبدو ردود فعل الناس على أي أزمة مالية مستحدثة، وكأنها تحدث للمرة الأولى، فيتناسى البعض وجود أزمات أقدم، وكسادٍ سبق أن ضرب السوق العالمي، وقعت فيه العملات والبنوك، وتهاوت على الأرض، يتناسى هذا البعض.. التاريخ القريب من الذاكرة، ومنه زمن يعد في مقياس التاريخ وما حدث بالأمس القريب ، حين ضربت الأزمة المالية قبل أكثر من عقدٍ من الزمان الأسواق العالمية في العام 2008.
وبين هذا وذاك، وقيل وقال، بين من يختار الاحتفاظ بدراهمه في البنوك وبين من يختار الاستثمار ومن يفضل الاستمتاع بها وهدرها خوفا من أن تحين نهاية العالم يبقى الرأي الراجح هو ما عهدناه على الأجداد “احتفظ بدرهمك الأبيض ليومك الأسود ” ونصائحهم الدائمة حول أهمية الزراعة .
وحتى لا ينهك هذا الارتفاع كاهل المواطن المطحون بشدة ما يحدث يبقى من البديهي إعادة النظر في الطاقة الاستهلاكية التي ازدادت بشكل غير منطقي تباعا للمظاهر الاجتماعية والعودة لأسلوب الحياة الذي تربت عليه الأجيال السابقة التي كانت تتمتع بالحكمة .