أسماء النعيمي
مهما اختلفت مفاهيم الخيانة لدى أفراد المجتمع تظل أسوأ شيء يمكن أن يحدث مع المرء ،و أيما كانت العلاقة التي تجمع الخائن”ة’ بالمغدور’ة’ يبقى الأثر نفسه ، لكن في زمن التكنولوجيا تعددت مفاهيم الخيانة وبات البعض منا يرى بأنها ضرورة لمواجهة ضغوطات الحياة و أنها نتيجة حتمية لما يضطر الشخص الخائن لعيشه في هذا الزمن حيث نجده يبرر فعلته لما يشاهده من مغريات مستباحة بشكل دائم ومتوفرة في أي مكان توجه إليه ،ولأنها صارت موضة العصر الراهن على الجميع أن يقبل بها كونها تعتبر من حريات الإنسان من المفترض احترامها .
فما هي الخيانة ؟ وما أوجه تعداداتها ؟
ومن أين تبدأ، هل القلب مصدرها الأول أم باقي الحواس الخمس ؟
وهل تستوي خيانة المرأة مع خيانة الرجل في مجتمعاتنا العربية ؟
وكيف صار مجتمعنا يتعايش مع الخيانة وكأنها من المسلمات ؟
حسب استطلاع للرأي شمل أكثر من 323 امرأة و187 رجلا اتضح أن الغالبية من كلا الجنسين ينظرن إلى الخيانة بالمنظور المنطقي آلا وهو اعتبارها أسوأ تصرف يمكن أن يكسر به الشخص شريكه في الحياة والبعض فسروا الخيانة من منطلق العلاقة الزوجية فقط كونها الأكثر انتشارا والأكثر إيذاءا ،أما خيانة الصداقة وغيرها فهي متجاوزة حسب الآراء، إلا أن البعض جاءت تدخلاتهم معاكسة لما هو معهود وربطت الخيانة بأنها من مستملحات الحياة إذ يلجأ إليها الإنسان ليستجمع طاقته حتى يكون مهيأ لبذل أقصى ما بوسعه مع الطرف الرئيسي في حياته ، هذا الطرف الذي أصبح ثقيلا جدا حسب ما تم تداوله بسبب متطلباته التي لا تنتهي خصوصا في زمن أصبح يرهق أفراده بظروف الحياة التي تتغير بشكل يومي، وهناك من أباح الخيانة كونها تحدث في غالب الأحيان بموافقة غير مباشرة من الشريك بما أنها تقع تحت أنظاره ويتخذ الصمت كوسيلة يتعمد بها تجاهل الأمر وعدم الخوض في تفاصيل حيثيات الخيانة بحجة الحفاظ على العلاقة الأسرية أمام الأهل والأصدقاء ، أما الطرف الخائن فيتصرف بحذر شديد حتى لا يلفت أنظار المجتمع وليس الشريك كون هذا الشريك لم يقدم المطلوب منه لحمايته من الوقوع كفريسة في مستنقع الخيانة .
ونحن نعيش في زمن فرضت فيه التكنولوجيا نفسها علينا جميعا حيث أنها بشكل مباغت صارت من أكثر المساهمين في انتشار الخيانة بين الأفراد وسهلت لهم ممارستها ومهدت الطريق لهم عبر وسائلها المتعددة حيث بإمكانك أن تجد الطرف الخائن أكان خطيبا أو زوجا يجلس برفقة شريكته وعينه على هاتفه يحاكي ويغازل صاحبته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وفي نفس الآن يرمي بقبلة لحظية إلى زوجته لطمس معالم الشبهة ، ناهيك عن خيانات الزوجات التي صارت مباحة بشكل مستفز في الآونة الأخيرة تحت ذريعة ‘ كما تدين تدان ‘ وعلى قول أصالة في إحدى أغانيها ‘ثمن الخيانة ،خيانة ‘ ، مما فسر لنا ‘ لا يمكن بتاتا أن نجزم بأن الخيانة مقتصرة على
الرجل فقط ولكنها تشمل الجنسين معا إلا أن المقارنة حسب الإحصائيات نجدها بنسب متفاوتة تطغى فيها خيانة الرجل على المرأة ،
لكن هل في مجتمعاتنا ننظر بنفس العين لخيانة المرأة مقابل شريكها الرجل ، في ما هو معهود فان المرأة تلام بشكل مضاعف وتصبح منبوذة أما الرجل نجد الجميع يجد له مبررات ودوافع لزلته وبعضهم يستطيع أن يصفق له على ذلك ،في الوقت الذي يجب محاسبته ورد الاعتبار لشريكته ،
لكن مهما حاول بعض الأفراد تزيين هذا الجرم ومهما تعددت تسمياته تظل خيانة، سواء أكانت مرتكبة من الجنس الخشن أو الجنس اللطيف ، الأثر النفسي متشابه عند الجنسين ،ويظل أخطر سلاح يمكن أن تطعن به الطرف الثاني في العلاقة,
وليست الخيانة مرتبطة بالتصاق الأجساد وفقط ،فالخيانة هي التي تبدأ من الفكر والشعور تليها المقارنات والنظرات وغيرها من التصرفات المستفزة أما الجسد فهو آخر مرحلة لإثباتها كجريمة ،وهناك من يقبل بها لو اقتصرت على المراحل الأولى ولم تتخطى حدود الجسد وهناك من يستصعبها ويحتسب كل ملابساتها خيانة لا مجال لتجميلها وليسس هناك ما يغفرها بتاتا .
وبما أن انتشارها بات مستباح من قبل معظم الناس واخترعت وسائل عدة لتسهيل ممارستها أصبح من الضروري العمل على استرجاع القيم الأخلاقية التي فقدناها أولا وكي نتخطى كل الظروف المهيأة لها علينا أن لما نقحم في تصرفاتنا سلوكيات الإنسان الطبيعي الذي قربنا على فقده حيث كلما شعر أحدنا بان الذي أمامه ويشاركه نفس السقف لم يعد كافيا عليه إخباره بذلك لا لشيء ولكن لأن من حقه أن يعرف ذلك ويفهم الأسباب ويقرر بالأخير عما إذا كان يرغب بالاستمرار في العلاقة بتلك الطريقة أو لا ، وذلك لا يعد عيبا، المشاعر بإمكانها أن تتبدل مع الزمن وحدها المشاعر التي تربطنا بالوالدين تظل على حالها أما المشاعر التي تربط اثنين تحت علاقة زوجية فتتغير كونها تتخبط بالعديد من الظروف وتتأثر
وتحتاج للاستثمار الدائم بها كي تستمر لتظل محافظة على ذاك الحماس الذي ساهم في بناء العلاقة منذ بدايتها
وإذا شعر أحد الطرفين أنه لم يعد قادرا على الاستثمار في بنائها وطاقته لا تحتمل بإمكانه الانسحاب وإخبار الطرف الآخر ذلك أفضل له بكثير من أن يظل محاصرا في علاقات متعددة تقتلعه من مكانه كلما وصل صداها إلى الشريك الأساسي في حياته أو وسخها إلى مجتمعه الذي يخشاه لأنه لم يلتزم بما فرضه عليه من ضوابط محددة ، والاهم من هذا كله هو ذاك الشتات الذي يجتاحه بسبب كثرة العلاقات . فلما كل هذا الرعب ؟
إن لم يعد أحد الشركاء قادرا على بذل المزيد ولم يعد قلبه متاحا لتقاسم المحبة فليمنح الفرصة للطرف المقابل لربما تفتح له أبواب حياة أفضل من التي يعيشها برفقته ، أفضل له بكثير من هذا الخداع .
وحتى نسيطر على الخيانة بمجتمعنا بعدما صارت مباحة ومستسهلة يلزمنا أن نتحلى بالصدق ، وأن نتعلم التعبير عما يلج بدواخلنا ، وأن نتخلص من عقدة العيب ونتوقف عن الهروب من الضوابط المفروضة علينا منذ عقود حتى يتسنى لنا ممارسة الحرام بشكل خفي بعيدا عن نظرات المجتمع، وفي العلن نمثل المصداقية والمثالية ، ونواجه الحياة كما يجب ونعيشها كما نريد ومع من نريد دون خداع ودون أن نعيش على حساب وسعادة وطمأنينة الآخر والأهم العيش بسلام ووضوح دون الحاجة للالتجاء إلى الطرق الملتوية .