لا يمكننا الإختلاف اليوم على أن هناك مد من الزحزحة يصيب “الإجتماعي” في بلداننا العربية

بقلم: ذ. أنور بلبهلول

إنها قضية التواجد الإجتماعي للأفراد داخل مجتمعاتهم و ما تعرفه من تركيبة ومفارقات حياتية وخلخلة، تتضح لكل مهتم بقضايا المجتمعات العربية بل لا يقتضي الأمر في الكثير من الأحيان أن يكون الفرد مهتم أو باحث لكي تتضح له معالم اللاتوافق والخلل الذي يعيشه الفرد العربي اليوم.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

لاشك في أن أهم انعكاسات اله‍وية على الفرد هي تيسير وإيضاح معالم التواجد الإجتماعي، فبماذا نعرفه؟ و أي علاقة يمكن أن تجمع الهوية بالتواجد الإجتماعي؟
يبدو أن التواجد الإجتماعي سوف يعرف تحديدا و منحى آخر غير تلك التحديدات و التعاريف السائدة حيث ننظر له بالشكل الذي يظهر في سلوكات وسيكولوجيات و حتى توجهات الأفراد في مجتمع ما و يسمح لنا بقياس مدى درجة التوافق و الإنسجام مع طبيعة البنية الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع المتواجد فيه الفرد. إذن يمكن القول بأن التواجد الإجتماعي هو آلية معيارية تقيس مدى سلامة الحضور الفردي في مجتمع ما في سياق اتصاله بالجماعة.
يعد سوسيولوجيا الأخد بتمثلات الفرد عن مجتمعه ونمط عيشه معيارا لقياس ثلاث: الإندماج الديني و الإندماج الثقافي و الإندماج الاجتماعي.
بعد تحديد التواجد الإجتماعي كمفهوم و إعتماد الإندماجات الثلاث المعيارية، يصح لنا القول بأن التواجد الإجتماعي للفرد العربي في مجمله تواجد غير متوافق غير سليم، لا إندماج ثقافي، لا إندماج ديني، لا إندماج إجتماعي إلى حد كبير، ولعل هذا ما يمكن تلمسه من خلال استطلاعات الرأي و مظاهر الحياة و نمط العيش ككل حيث ترتفع حدة اللاتوافق هاته عند فئة الشباب ففي مقابلات تبين أن الشباب يفقد بوصلة تحديد إنتسابه و كذا عدم إنعكاس ما يمثل الهوية العربية من مكوناتها عليهم سواء اللغة، التطلعات، الإستجابةالدينية، اللباس..
هناك لبس يحيط بمسألة التواجد الإجتماعي للفرد العربي والذي يقترن في كثير منه بأزمة إيجاد أجوبة شافية تتوافق مع الراهن لأسئلة ثالوث (الدين الثقافة المجتمع) الذي يشكل أبرز مكونات الهوية فما هو دورها في تحديد و تأطير التواجد الإجتماعي للأفراد داخل مجتمعاتهم ؟
لئن قيل بأن الهوية بأهمية العمود الفقري في تركيبة البنية الجسمية للإنسان نفس الأهمية تنسحب على تواجد الأفراد إجتماعيا فإننا لن نبالغ البتة، ذلك أن الهوية هي
الحافظ الأساسي له و لمجموع محدداته ولعل تواجدنا اليوم هو تواجد يغلب عليه طابع اللإتزان، العشوائية و اللاتوافقية، هناك إصابة بليغة على مستوى العمود الفقري (الهوية) مست أهم أجزائه الدين و الثقافة.
يعد الدين السند و المنظم الرئيسي للأفراد كما أنه يعتبر آلية تحفيزية رهيبة لتقدم الأمم و في هذا السياق يقول ماكس فيبر “العقلانية لا تتعارض مع الدين بل تولدت من الدين ” و يبرز قوله هذا بعد حديثه عن ما تم تحقيقه من تطور و تقدم في غرب أوروبا في القرنين 18 و 19 بفضل التشبت بالبروتيستانتية  و تعاليمها، لعل هذا مثال لما يمكن للدين القيام به من تغير و تطوير و تحسين منقطع النظير ولنا في الرسالة المحمدية التي حملت الدين الإسلامي و إرساءه كمنظومة تدبير حياتية عظيمة عبر و أمثال كثيرة. فالدين بصفة عامة حافز مهم وواقي أساسي للأمم و إن تم ضربه أو التنقيص منه  بأي وجه كان حينها يصاب المكون الرئيسي للهوية.
الثقافة بإعتبارها نمط عيش ينهل من الهوية المجتمعية نمط عيش ذو روافد دينية و تراثية و لغوية.. إنه نفس الأمر الذي يهم الدين في المجتمعات العربية من تشويه و تلفيق يهم الثقافة لكن هذه المرة الأمر لن يتعلق بالتشويه و التلفيق بل يتعلق بالتنقيح و الطمس، فعندما تصبح مراكز لنشر الثقافة كما يذهب الأنثروبولوجي فرانس بواش تستهدف ثقافة مجتمعات بعينها بغية إحداث إنسلاخ من الأصل و تمرير ثقافة محدثة.
نحن الآن بعد عملية التأثير و التأثر التي همت الدين و الثقافة أمام إنزياح هووي أفضى بنا لا محال إلى تواجد إجتماعي موسوم  باللاتوافق و “العبث”، ولعل هذا ما يمكن تلمسه في مناحي حياتية عدة منها: مظاهر التميز الحياتية النابعة من العولمة، نقاش الدين في وسائل الإعلام، وسائل التواصل الإجتماعي و طقوسها، الصراعات و الإحتقانات المجتمعية، بزوغ حركات ذات مطالب غريبة.. و العديد من المظاهر التي توحي بتواجد إجتماعي مشتت للفرد العربي علته الإصابة الخطيرة للعمود الفقري (الهوية) الأمر الذي يستدعي وعي و فطنة لتفادي تفاقم حدة الخطورة، ذلك أن الآخر المختلف لن يرحمك بل سوف يعمل على إخضاعك إلى أقصى درجة ممكنة  فالأمر لم يعد يقتصر على صراع الثقافات بل الكفة مرجحة لجانب واحد (العولمي) الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى القضاء على النموذج التعددي الإنساني العالمي و النموذج العربي الإسلامي على وجه الدقة.
وهنا يكون المخرج من الوضع المحدث وفق ما تقدمنا به بمعالجة الإصابات التي لحقت الجسم الهووي “الدين و الثقافة” العودة إلى الدين المعقول و الإنسلاخ قدر الإمكان من الثقافة الدخيلة المنتشرة التي تحمل مثيرات سيكولوجية خطيرة تجعل الفرد يأخدها و يحبها دون تمحيص، و الإنفتاح على المعرفة و العلوم بصفة عامة  والتاريخ العربي الإسلامي على وجه الخصوص.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.