البقع السوداء في فستان عروس الشمال

بقلم : منى بورجعات

براعم الكورنيش..أطفال يدنسون بياض فستان عروس االبوغاز

في الوقت الذي تتألق فيه عاصمة البوغاز وتحاول أن تنافس نظيراتها من المدن لتخطف منهم الأضواء وتصبح مدينة تتربع على عرش الجمال.. مباني وطرقات ومصانع واستثمارات خارجية.. ميزانيات خيالية لأجل مظهرها الخارجي المتألق، تتجهز في السنوات الأخيرة وكأنها عروس ليلة زفافها ترتدي فستانا أبيض.

وعلى واجهة هذا الفستان سقطت بقع سوداء أفسدت جمالها، كورنيش المدينة هو واجهتها ووجهة مفضلة لسكانها قبل زائريها، مكان يجمع بين الجمال والدمامة، وبين الصفاء والتكدر.. براعم يعبثون بجمال المدينة، ويزعجون المارة والمتأملين، فالكثير يعبر عن استياءه منهم وعن تذمره من وجودهم، وكأنهم حشرات لاصقة على ثيابهم، يتخلصون منها باشمئزاز، يلاقون أسوأ أنواع الإهانات والتجريح، لا أحد يكترث لمشاعرهم، ولا لظروفهم، الكل يبتعد عنهم متذمرا كأنهم يحملون وباء سيصيب كل من اقترب منهم، وجه التشابه بينهم وبين الوباء هو الانتشار، فهم ينتشرون على سواحل المدينة ويزيد عددهم يوما بعد يوم، لكنهم لم يتم إدراجهم من بين التجهيزات التي تعرفها عروس الشمال، ولا من بين البرامج والمناهج والمخططات، رغم لونهم الأسود الداكن إلا أن المجهزين يتجاهلونهم وكأن لا وجود لهم من الأساس، الكل يغض بصره، في الوقت الذي يتزايد عددهم أضعاف،..

فهم ليسوا فقط أبناء المدينة فأغلبهم قصدوا عاصمة البوغاز من أجل الهجرة، رغم صغر سنهم وضعف أجسادهم إلى أنهم يفكرون في الضفة الأخرى، وهم لا يعلمون شيئا عن ضفتهم هذه، ولا عن الضفة التي يريدون العبور إليها، فكل ما في الأمر أنهم يستمعون لمن هم أكبر منهم سنا فيتبعونهم في ما يقولون دون إدراك، يعيشون حياة ممزوجة بين قانون الغاب وقانون البحار، فهم عبارة عن جماعات متفرقة، وكل جماعة يحكمها الأقوى جسديا والأكثر قسوة، فيما يقبع الضعيف في بحر من الاستغلال، لا يعرفون شيئا لا عن الدولة والحكومة، فهم يملكون استقلالا لم يطالبو به،  وفي ظل هذا الواقع المرير الذي يعيشونه لا يجدون مفرا منه إلا بالغياب عن الوعي عبر شم مواد تبعدهم عن واقعهم ولو لفترة، هؤلاء الأطفال يعيشون صراعا داخليا ما بين خوفهم من الشارع المرعب فيحاولون حماية أنفسهم بالعنف وحمل السلاح الأبيض، وبين ضعفهم واستعطاف المارة لكسب دريهمات لشراء وسيلة النقل التي تأخذهم إلى عالمهم الذي يهربون إليه.

رغم أن هؤلاء الأطفال هم أكثر مادة مستهلكة إعلاميا، ومستغلة من طرف المجتمع المدني، إلا أن هذا لا يزيدها إلا تكاثرا، وكأنهم يتعمدون إبقاء هذه الفئة لاستغلالها في الندوات وتداولها في المنابر الإعلامية، فالكل يناقش أسباب الظاهرة، ونتائجها، وخطورة هذه الفئة على المجتمع، والحقيقة أن المجتمع هو الخطر الحقيقي على هؤلاء الأطفال، الذين يستغلوا أبشع الاستغلال من المجتمع المدني الذي يجلب أموالا طائلة من وراءهم، فعدد الجمعيات الحقوقية تفوق عدد أطفال الشوارع، والأموال التي تصرف على اللقاءات والندوات بإمكانها القضاء على هذه الظاهرة نهائيا، فأصحاب المسؤولية يتمركز اهتمامهم بالمظهر الخارجي للمدينة، والمجتمع المدني يلمع نجوميته في الإعلام عبر المشي على جروح هذه الفئة المستغلة، والزائرين والمارة يرونهم حشرات يجب إبادتها، ويبقى الحال على ما هو عليه.

هذه المعضلة لا أحد يتحمل مسؤوليتها فلكل يرمي المسؤولية على عاتق الآخر، كأنها كرة داخل الملعب تترامى بين أرجل المسؤولين، لا أحد يريد الاحتفاظ بها، وحين يتعبون منها يرمونها خارج الملعب.

وستبقى هذه البقع تتسع وتكبر إلا أن تتوغل في أعماق الفستان فتمزقه، فلا يستطيع حينها الإصلاح الخارجي، حجب هذه العيوب ولا تداركها…

Loading...