متابعة / منى بورجعات
بنظرات حزن، وثياب تعكس حالتها، ومشية المغلوب على أمره، تتجول في الشوارع .. »لم أعد أتحمل الأصوات المزعجة التي ترن في أذني بين الفينة والأخرى، والنظارات التي جعلت إحساس السجينة يتسرب إلي، حتى أنني أحسد السجينات على بعدهن من هذه الأسوار التي تلاحقني « .. بهذه الكلمات عبرت كريمة عن المعاناة التي تعيشها كل يوم في الشارع، لم تكفيهم قسوة ظروفها بل أبو أن يدعونها وشأنها ويزيدون من معاناتها –على حد تعبيرها–
كريمة بائعة ورد متجولة، عند الوهلة الأولى لن ترى المعاناة الحقيقة التي تعانيها فالكل يظن أن همها الوحيد هو تأمين لقمة العيش ليس أكثر، لكن بعد التقرب منها والدردشة معها كشفت عن الجرح العميق الذي تعاني منه، فعبرت عن استيائها من المعاملة التي تعامل بها ولم تتذمر من وضعها ولا ظروفها فهي راضية وتريد كسب قوتها دون مضايقة أحدهم لها، هذا كل ما تطمح إليه.
كريمة فتاة في العشرينات، جاءت من الأرياف في ربيعها الثاني عشر رفقة أمها وأختها الصغرى بعدما توفي والدها، قصدت مدينة طنجة رفقة أسرتها الصغيرة بحثا عن تحسين ظروف العيش، بعدما فقدت الأسرة المعيل الوحيد لها، لتجد نفسها أمام واقع لا يمكن لشابة في عمرها أن تتقبله أو تتعامل معه، في البداية كانت تساعد والدتها في تحمل أعباء الحياة، لكن شاء القدر وأصيبت بمرض مزمن حرمها من مزاولة حياتها الطبيعة لتصبح هي الأخرى عالة على ابنتها التي وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن عائلتها، ومن هنا بدأت معانات كريمة في الشارع، لكنها لا ترى في الأمر قسوة بقدر قسوة المعاملة التي تتلقاها من الآخرين.
كلمات، عبارات، ولمسات مترامية في الشوارع، هذا السيناريو الذي تعيشه كل يوم فلن تستطع الهروب أو النجاة منه مهما فعلت، شاءت أم أبت تسمع وترى ما لا تريده، لكن لا مفر ولا باب تطرقه لينقذها، فكل يسمع ويرى ولا يحرك ساكنا.
هذه المضايقات أصبحت روتينية، وربما طبيعية بالنسبة للبعض، نعرفها جميعنا لكن لا أحد يرى لها حلا، خدش للحياء علني مسموح به وغير مرفوض، ليست كريمة الوحيدة التي تعاني منه وإنما الكثيرات والكثيرون أيضا، لكن ما يزيد من فظاعة الأمر أنه أصبح معمول به ومتداول وعادة غير مذمومة، ، فبنسبة لهم الكرامة والحرية وحق التجول ، كلمات غير مفهومة وليس لها معنى، ولا يسمعون بها إلا على وسائل الإعلام ولا يعيرونها أي اهتمام.
هذه الممارسات جعلت فتاة في ظروف قاسية مثل كريمة تستسهل ظروفها مقارنة مع ما تتعرض إليه، فهي لم تعد ترى صعوبة العيش التي تحيط بها بقدر صعوبة المواقف التي تتعرض لها، فهي لخصت معاناتها الواضحة على ملامحها وهندامها في ممارسات لا يعيرها أحد أي أهمية في المقابل هي قلبت حياة فتاة كانت ربما ستطمح إلى تحسين ظروفها بدل أن تظل تتمنى فقط أن يمر يومها بسلام.
أي قسوة هذه التي تجعل أقصى طموحك أن تهرب من مضايقات تافهة؟ وأي وطن هذا الذي يحسد فيه السجناء على الأسوار التي تحميهم من الشارع؟