من النضال إلى التنزه… لماذا يختار سكان العرائش الغابات بدل الوقفات النقابية في فاتح ماي؟

جمال السباعي

في كل فاتح ماي، بينما تهتف نقابات العمال في مدن الرباط والدار البيضاء بشعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية، تُسجّل مدن شمال المغرب، وعلى رأسها العرائش، مشهداً مختلفاً: سيارات العائلات تتجه باكراً نحو الغابات المحيطة، والشوايات تُنصب تحت أشجار الغابات، فيما يغيب الحضور الشعبي عن ساحات الاحتجاج النقابي.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا يفضل سكان العرائش وشمال المغرب قضاء هذا اليوم الأممي في الطبيعة، بدل المشاركة في الوقفات التي يُفترض أنها تعبر عن مصالحهم كطبقة عاملة؟

يجيب محمد، عامل في قطاع الصيد البحري، قائلاً: “صراحةً، لم أعد أؤمن بالنقابات. هم يحتفلون ويخطبون، لكن لا شيء يتغير في واقعنا. فاتح ماي بالنسبة لي أصبح فرصة لنخرج مع العائلة وننسى قليلاً تعب السنة”.

هذا الرأي لا يبدو معزولاً، فبحسب شهادات متطابقة، هناك فقدان عميق للثقة في العمل النقابي، حيث يُنظر إليه كطقس شكلي لا يُحقق مكاسب حقيقية. ويُضاف إلى ذلك تحول هذا اليوم في المخيال الجمعي إلى ما يشبه عيداً ربيعياً، يُستغل للراحة واللقاء العائلي، أكثر من كونه مناسبة نضالية.

تأثير الموروث الإسباني .. لكن الظاهرة قد تكون أعمق من مجرد رد فعل على الأداء النقابي. في حديث مع أستاذ مطلع على تاريخنا المحلي، عبد السلام، يشير إلى أن للموروث الاستعماري الإسباني أثر غير مباشر في تشكيل هذه العادة.

“الإسبان خلال فترة الحماية كانوا يميلون إلى الابتعاد عن الفضاءات العامة في المناسبات السياسية، ويفضلون التنزه مع أسرهم في الغابات المحيطة بالمدن كغابة لايبيكا أو غابة الأوسطال. ومع الوقت، انتقلت هذه العادات إلى السكان المحليين، خاصة في ظل الامتزاج الثقافي في الشمال”، يقول عبد السلام.

هذا الامتزاج، يضيف عبد السلام، ساهم في ترسيخ سلوك جماعي يعتبر الغابة فضاءً للهروب من السياسة ومن صخب المدينة، بما في ذلك يوم العمال.

هوية شمالية خاصة .. يتفق باحثون في علم الاجتماع أن شمال المغرب، بفعل تاريخه الخاص وعلاقته الثقافية بإسبانيا، قد طور نموذجاً مجتمعياً مختلفاً عن باقي جهات البلاد. فالثقافة النقابية، مثلاً، ليست متجذرة بنفس القوة التي تظهر في مدن مثل الدار البيضاء أو خريبكة.

وتضيف الأستاذة نوال بنونة، الباحثة في سوسيولوجيا العمل، أن “شمال المغرب يشهد هشاشة في البنية النقابية من جهة، ومن جهة أخرى نمط حياة يتسم بالانفتاح على ثقافة الاستجمام، ما يجعل من فاتح ماي فرصة للهروب من ضغوط الحياة، لا لمواجهتها”.

في نهاية المطاف، قد تُقرأ هذه الظاهرة من زاويتين: الأولى هي خصوصية ثقافية ومجالية تميز شمال المغرب عن باقي المناطق، والثانية هي أزمة أمل في جدوى الفعل النقابي والسياسي، تعكسها فراغات الساحات في يوم يُفترض أن يُمثل صوت الطبقة العاملة.

وبينما يزداد الحضور في الغابات سنة بعد أخرى، يُطرح السؤال على النقابات والفاعلين السياسيين: هل فاتح ماي لا يزال حياً في وجدان الشارع؟ أم أنه أُفرغ من معناه ليتحول إلى يوم للشواء فقط؟

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.