وثيقة المطالبة بالاستقلال: الدلالات والعبر

بقلم: توفيق عزوز

عند دراستنا لموضوع وثيقة المطالبة بالاستقلال في تاريخ المغرب المعاصر و كغيرها من الأحداث و الظواهر، لا ينبغي أن نفصلها عن محيطين لعبا دورا في ابرازها و التحكم في صيرورتها، نعني بذلك المحيط الدولي أوربا على الخصوص و المحيط العربي الإسلامي، ذلك أن المغرب من جهة يرتبط ارتباطا و ثيقا بعالمه الاسلامي، ولهذا الاعتبار لا يمكن تجزئته و فصله عن مصير الموحد الذي كانت تعرفه أقطار هذا العالم، مما أقحم المغرب في مجال التأثير و التأثر على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الفكري.
المحيط الدولي و تأثيراته :
في مقدمة هذه الظروف الحرب العالمية الثانية كان لها تأثير كبير على قلب هذه المعادلة الجديدة نظرا للتحولات التي حدثت على الصعيد الدولي و تركت انعكاساتها على العمل الوطني في المغرب بصفة عامة و على برنامج صياغة وثيقة المطالبة بالاستقلال.
فبعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية فكرت مع انجلترا في الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول المستعمرة في قلب موازين الحرب، و هو ما أبرمه الميثاق الأطلسي الذي كان بين روزفلت و تشيرشل في غشت 1941 ليؤكدا في مادته الثالثة توجههما نحو الشعوب :” ان الأمم المتحدة تتمنى أن تسترد الشعوب حقوقها التي حرمت منها بقوة” .
كل هذا دفع الحركة الوطنية إلى رفع شعار الاستقلال خصوصا ان الحرب بدأت تميل لصالح الخلفاء، ظهر ذلك عند الاحزاب في المنطقة الخليفية و الميثاق الذي أصدر من طرفها و البيان المشترك الذي نص على الدعوة إلى استقلال المغرب وإلغاء نظام المناطق و الاعتراف بالسيادة المغربية الداخلية و الخارجية كاملة، و إقامة نظام ملكي مسلم و طني برعاية الأسرة العلوية.
و أبرز عمل قامت به الجبهة الوطنية بين حزب الإصلاح الوطني و حزب الوحدة المغربية هو اصدار وثيقة المطالبة بالاستقلال في 14 فبراير 1943 و مما أبرز ما جاء فيها أنها تطالب باسقاط نظام الحماية من جميع أطراف المغرب و الاعتراف باستقلال المغرب تحت ظل العائلة العلوية المالكة، بالإضافة إلى عقد اتفاقيات، ومعاهدات لضمان حرية التعاون الاقتصادي مع كل الدول.
جاءت هذه الوثيقة بعد مرور ثلاثة و عشرين يوما على محادثات جلالة الملك محمد الخامس مع الرئيس الأمريكي روزفلت بأنفا يوم 22 يناير 1943. وكذلك هذه الوثيقة كانت باستشارة جلالة الملك و الحصول على موافقته، و الأهم من ذلك أن وثيقة المطالبة بالاستقلال بالشمال سبقت و ثيقة الجنوب بأحد عشر شهرا، في خطاب للأستاذ الطريس عن وثيقة 14 فبراير 1943 ” وأنه من دواعي الغبطة أن تكون هذه المنطقة الشمالية أول من نادى بوجود استقلال المغرب و تعطيل بنود الحماية”.
المحيط العربي و تأثيراته:
 
ساهمت الجامعة العربية التي تأسست في 22 مارس 1945 في تأطير النهج السياسي بالشمال نظرا لكون شكيب أرسلان أحد أقطاب القومية العربية على علاقته الوطيدة بوطنيين الشمال، مما قامت الجامعة بدعوة الوطنيين إلى تشكيل وفد يمثل منطقة الشمال نظرا لتأييد هذه المنظمة للقضية المغربية نظرا لرفعها شعار المتمثل في الدعوة إلى الإستقلال 

ونحن بهذه الإضاءات السالفة نستنتج أن تاريخ الحركة الوطنية في المنطقة الخليفية أعطى للمغرب صورة مشرفة خاصة في بلاد المشرق العربي، فلا تزال أعمدة شكيب أرسلان شاهدة على ذلك و اتصالاته المباشرة مع الوطنيين في الشمال، علاوة على المؤلفات القيمة التي خلدت عطاءاتهم.
غير أن الإشكال المطروح الذي يجب أن نقربه في خاتمة هذا البحث هو الكيفية التي تم التطرق الى هذا الموضوع من المؤرخين و الدارسين، حيث نجد تهميش جلي لتاريخ المنطقة و عدم اعتراف بتضحياتها، أبرز مثال على ذلك وثيقة المطالبة بالاستقلال كحدث بارز وقع في المنطقة الخليفية قبل أن يحدث بالمنطقة السلطانية و هذا ما أكدته الوثائق التاريخية، لماذا تم تهميش هذه الوثيقة ؟ فلم أتمكن من الوصول الى الإجابة التي قد تشفي غليلي بالكامل و يكون جوابا شافيا كافيا، فمكره لم أحظ بهذه الاجابة و التي ما زالت ترخي بظلالها في تاريخ الزمن الراهن.
Loading...